Archive for July, 2011

July 14, 2011

السودان وإحلال المفقود

by M. A.

For no particular reason other than laziness, and contrary to the long standing tradition of this blog, I will publish this post only in Arabic.

تابعت بالأمس مراسم إعلان استقلال دولة جنوب السودان، واستمعت بمشاعر متضاربة لآراء شارع عربي كرّست فيه مبادئ قومية عربية وحدوية، ويبدو له جنوب السودان جزءً لا يجوز اقتطاعه من نسيج العروبة، جزءً لا يجوز التشكيك للحظة في عروبته.  فتذكرت إدوارد سعيد

يقول سعيد في في الأسلوب المتأخر أن “الهوية هي العملية التي تتسلط بها الثقافةُ الأقوى والمجتمعُ الأرقى بواسطة العنف على شعوب يتقرر أنّها شعوب دونية، بمقتضى عملية فرض الهوية تلك. إنّ الإمبريالية ما هي إلا عملية تصدير للهويات”.  لقد امتد استعمار السودان (سأعمم هنا وإن كان مقصدي جنوب السودان) لفترة فاقت بقية استعمارات المنطقة والتي انتهت يصورة أو بأخرى خلال الخمسينيات إلى السبعينيات من القرن الماضي.  لقد تسلم المستعمر المصري سوداناً من المستعمر العثماني ومارس استعماره لفترة إلى أن سلمها بالتالي للبريطاني، وامتدت فترة من تبادل السيطرة على السودان إلى أن أتت لحظة الجلاء والاستقلال فظهر الوحدويون وصار السودان هو الخرطوم/ الشمال. واندلعت حرب أهلية لايزال دخانها في الآفاق

إن أوجه التسلط الاقتصاي والسياسي لثقافة وادي النيل الشمالي/العربي/ المسلم/ الأبيض على جنوب السودان القبلي/ الأفريقي/ غير المسلم/ الأسود تاريخية وإمبريالية بما لا يحتمل الشك، ساهم في بنائها المستعمر وعانى منها أبناء السودان إلى اليوم.  إن اندلاع الحرب الأهلية إبان إعلان مصر منح السودان حق تقرير مصيره لهو نتاج هذه السيطرة والتي ناضل الجنوبيون من أجل التحرر منها وقادهم نضالهم إلى لحظة الحيرة التاريخية هذه من لفظ للآخر، وقراءة الجوهر الأصلاني للثقافة المحلية من زاوية التضاد معه.   تساءلت وأنا أشاهد الجنوبيون يرقصون منتشين في شوارع جوبا، ما إذا كان التاريخ قد قادنا إلى لحظة تحرر شبيهة: إن انقلاب يوليو/ تموز لم يأت بالتحرر من المستعمر، وإنما أتى بصورة جديدة للقمع والاستغلال استمرت لعقود لم نبدأ في التحرر منها إلا اليوم وبعد ستين عاماً من الانقلاب، فأية هوية تبنّينا؟ أي علم رفعنا؟ أية حدود دافعنا عن سيادتها؟ وأي نشيد هتفنا به في الساحات؟ أمن الجائز أن يكون مجمل نعرتنا القومية هو ذلك المخلوق البائس الذي صبه القوميون الأوائل في قالب القوميات المستجلبة؟  فلنعد لسعيد

يرى سعيد أن النعرات القومية والبلدية والدينية هي نتاج طبيعي وارتكاسي للتحرر من المستعمر.  فتظهر نماذج مثل ناصر ونهرو، نماذج يلتف حولها الجمع في شبق لهوية تحل محل المفقود، هوية تقر بإمكانات الأصلاني في وجوده وقدرته على التحكم في مصائره.   شاهدت تمثال جون جارانج في التلفاز وتساءلت ما إذا كان نموذجاً آخراً، فباغتتني صورة المحتفلين في الجنوب حاملين العلم الإسرائيلي.  لهذه الدرجة وصل حد الرغبة في التحرر من المستعمر (العربي في هذه الحالة) والتحرر من قومياته وقضاياه والانغماس في بناء هوية بلدية بديلة، هوية تستقي مغزاها وتحدد أبعادها بالقياس بالمستعمر.   «.. إنّ القبول بالنعرة البلدية يعني القبول بكل مستتبعات السيطرة الإمبريالية: كل الانقسامات العرقية والدينية والسياسية التي فرضتها الإمبريالية هي ذاتها. إنّ مغادرة العالم التاريخي لمصلحة غيبيات الجواهر مثل النعرة الزنجية أو الايرلندية أو الكاثوليكية تعني مغادرة التاريخ لمصلحة نعرات جوهرانية تحمل الطاقة على استعداء البشر بعضهم ضد بعض» إدوارد سعيد، الثقافة والإمبريالية

ليس محزناً بحال أن ينفصل جنوب السودان عن هوية العرب، من حق جميع الشعوب أن تمارس تحررها من الاستعمار وإن تأخر وبالصورة التي تناسبها، من حق الشعوب أن ترتكب أخطائها الخاصة.  وإنما المؤسف أن يستمر مسلسل الانطلاق في مغامرات قومية النعرة تصنع قطباً جديداً يستعدي أبناء المستعمرات السابقة ضد بعضهم البعض