عن فيلم كوبتوس لألبارو ساو

by M. A.

شاهد كوبتوس

نادراً ما تقود أحداث كالتي دارت بالإسكندرية الأسبوع الماضي إلى كشف شخصي مشابه لفيلم ألبارو ساو “كوبتوس” والذي قام بتصويرة في العام 2010 إبان إقامته الفنية في مركز الصورة المعاصرة بالقاهرة. عندما قابلت الأخ فريد بالصدفة في منزل صديقة بصحبة ألبارو أمام شاشة تلفزيون تعرض فيلم بات مان يعود، لم أتوقع أن يكون ذلك الشاب الملتحي الصامت راهباً، رغم ما وشى به جلبابه الأبيض الرخيص وقلنسوة الكهنة، ورغم إشارة صديقتي بأنه موضوع عمل ألبارو

صور ألبارو فيلماً طوله 16 دقيقة في دير الأنبا مقار بصحراء وادي الريان.  يتكدس الفيلم بمشاهد طويلة للصحراء صورت بكاميرا ثابتة تحمل إصرار فيلم أوديسا الفضاء 2001 وتسترجع عدمية الأخوين كوين.  يتجنب الفنان هنا استخدام الموسيقى في فيلمه معتمداً على صوت الريح في خلق حالة الصمت والانتظار التي تحيط بحياة الراهب في الصحراء

الصحراء أيضاً اختيار واع.  من المخاطرة بدون شك مساءلة اختيارات الفنان، ولكننا قد صرنا نتوقع مشاهد معاناة القاهرة وشخصيات مجتمعاتها السفلية وضوضاء احتضارها المستمر في أعمال الـ”المقيمين” المؤقتين الذين تمتلئ أعمالهم بافتراضات غير مسنودة في أفضل أحوالها، واستشراقية في أسوأها.  في حين يبدو عمل ألبارو نابعاً من دافع صوفي يحرك فيه الفنان رغبة في الإمعان في التقشف ربما قادته إلى صراع داخلي، فبتخليه عن الصنعة في عمله يحرره الفنان من قيود الشكلانية، تماماً كما حرر الراهب نفسه منها حين قرر الاتجاه للصحراء.  اكتفاء الراهب بوجبة بطاطس مقلية وتأمله الطويل يوازي ترفع ألبارو عن الانغماس في عناصر تكميلية لموضوعه

وفي الدرب الذي سلكه قرار الفنان الواعي باتخاذ التقشف طريقاً، نلتقى في الاتجاه المعاكس راهباً لا يمانع الظهور وبقوة في صورة فيديو يوثق يومه من طقوس باكر وحتى صلاة نصف الليل يكسر عزلته عن العالم الذي هجره للرهبنة.  يمكن للمرء فقط أن يخمن عمق العلاقة التي امتدت بين الفنان وموضوعه، والتي يسمح فيها الراهب لفنان أجنبي بأن يدلج  إلى عالمه

لا يبدي الفنان وجهه وحضوره إلا في الثلث الأخير من الفيلم، حين يهبط المساء ويقودنا الراهب في مشهد خانق أسفل مغارة مظلمة في شق بالجبل، يجتمع في قلبها الرهبان الآخرون وللمرة الأولى تصلنا ضحكات إنسانية ونداءات.  لقد قادنا درب الراهب الموحش إلى المكان المبهج الوحيد في هذه البرية التي يسكنها.  تتصاعد الضحكات والنداءات إلى أن تصم الآذان ضوضاء حضور مخيف غير مفهوم

Leave a comment